- قضايا
- تحقيق
- فيفيان عقيقي
- الإثنين 18 آذار 2019
- الجزء الاولطُبعت في أذهاننا صورة نمطية عن أزمة الزراعة في لبنان: مزارعو تفّاح وبطاطا، وأحياناً حمضيات، يعانون دائماً من كساد محاصيلهم، فيحتجّون برمي إنتاجهم في الشارع رمزياً، مطالبين «الدولة» بتعويضات. إلّا أن الأزمة أكثر تعقيداً من هذه الصورة، فهي ترتبط أولاً بنموذج اقتصادي بُنيت أساساته على دعم القطاعات الخدمية، ولا سيّما التجارة والمصارف والعقارات، وإهمال القطاعات الإنتاجية، ولا سيّما الزراعة، فالحكومة لا تنفق سوى أقل من 1% من موازنتها على القطاع الزراعي، وهو بمعظمه إنفاق على الأجور والنفقات الاستهلاكية في الإدارات والهيئات والبرامج المعنية بتنظيم القطاع الإنتاجي الأول ودعمه. لا يتعلّق الأمر بالأيديولوجيا فقط، بل بالنتائج الماثلة لهذا النموذج، ولا سيّما على صعيد تمدّد العمران على حساب الأراضي الزراعية والحرجية، وخصوصاً على الساحل حيث تتكدّس أكثرية السكّان، وكذلك على صعيد ارتفاع أسعار الأرض وارتفاع كلفة الإنتاج وتدنّي الدخل العائلي من الزراعة، ما عدا في الحيازات الزراعية الكبيرة التي دخل إليها رأس المال، ولا سيّما ذات الصلة بصناعة النبيذ والكونسروة والتشيبس وبعض الزيوت والسلع الزراعية كالموز والأفوكادو والحمضيات. في النتيجة، نزحت الأسر من الريف إلى المدينة بحثاً عن فرص عمل أخرى، ووفقاً لوزارة الزراعة فإن نحو 70% من الذين لا يزالون يعملون في الزراعة يعملون في الوقت نفسه في قطاعات أخرى لسدّ حاجاتهم المعيشية. هذا الواقع لا يعبّر فقط عن تحرّكات السكان وضغوطها، بل كانت له تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي للمجتمع اللبناني، إذ ازداد الاعتماد على الاستيراد لتأمين الحاجات الغذائية الأساسية والكمالية، ووفقاً لإحصاءات الجمارك اللبنانية فاقت فاتورة استيراد المواد الغذائية نحو ستة أضعاف قيمة الصادرات الغذائية اللبنانية في 2018. وفي مقابل إنتاج زراعي بقيمة ملياري دولار فقط، استوردنا في العام الماضي منتجات غذائية بقيمة 3.5 مليار دولار، وهي تشكّل أكثر من 80% من حاجاتنا الغذائية. يقول الاقتصادي عباس رمضان إن «السياسات توضع لتحقيق أهداف آنيّة ولاحقة. فلننظر إلى القطاع الزراعي في الأراضي الفلسطينية المُحتلّة الذي يستمدّ قوّته من العقيدة الإسرائيلية القائمة على التشبّث بالأرض، ويؤمّن 95% من الاحتياجات الغذائية المحلّية. ولننظر إلى القطاع الزراعي في لبنان الآخذ بالتدهور، نتيجة نموذج يعزّز الهجرة، وبالتالي ترك الأرض، بحثاً عن فرص عمل لاستقطاب عملات أجنبية يعجز النموذج عن تأمينها من إنتاجه الخاص. فلنقارن بين هاتين السياستين ونستخلص نتائج كل منهما». في لبنان، تبيّن إحصاءات الأمم المتّحدة أن عدد سكّان الريف تراجع بين عامي 1950 و2018، من 68% إلى 11% من مجمل سكّان لبنان. ووفقاً لإدارة الإحصاء المركزي، تراجع عدد العاملين في الزراعة من 19% إلى 6% من مجمل القوى العاملة بين عامي 1970 و2015. ويعيش 40% من الأسر في الريف تحت خطّ الفقر. وتراجعت حصّة الزراعة من مجمل الناتج المحلّي من 9% إلى 3% خلال الفترة نفسها. أمّا وفقاً لوزارة الزراعة، فعلى الرغم من أن 63% من مجمل مساحة لبنان صالحة للزارعة، إلّا أن المساحة المزروعة بالفعل الآن لا تتجاوز 22%.
10 أصناف متدنية القيمة على 71% من الأراضي الزراعية
تبلغ مساحة الأراضي الزراعية المُستخدمة في لبنان نحو 260 ألف هكتار، يُحصد منها نحو 3 ملايين طن من المحاصيل، بقيمة 2.03 مليار دولار سنوياً. ما يعني أنّ في كل هكتار من الأراضي الزراعية المُستخدمة، يتمّ إنتاج 12 طنّاً من المحاصيل وسطياً، بقيمة 7740 دولاراً سنوياً، أي إن القيمة الوسطية لكلّ كلغ من المحاصيل المُنتجة لا تتخطّى 65 سنتاً، وهو معدّل متدنٍّ جدّاً.
القيم الأكبر مقابل أقل المساحات
على الرغم من أن 71% من الأراضي اللبنانية تستحوذ عليها 10 زراعات، غالبيتها ذات قيمة مضافة متدنية، إلّا أن هناك زراعات مرتفعة القيمة وتستحوذ على مساحات أقل بكثير. وتبرز الجوزيات (الكستناء والفستق الحلبي) التي تستحوذ على 2.3% من مجمل المساحة في مقابل مساهمتها بنحو 6% من مجمل قيمة الزراعات اللبنانية، والأشجار الاستوائية (الأفوكادو والقشطة والكيوي) التي تستحوذ على 2.2% من مجمل المساحات المزروعة وتساهم بـ 6% من قيمة الإنتاج الزراعي.
وفقا للإحصاء الزراعي لعام 2015، الذي أعدّته وزارة الزراعة بالتعاون مع منظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO) والمفترض صدوره قريباً، تستحوذ 10 أنواع من المحاصيل على 71% من مجمل الأراضي الزراعية المُستخدمة في لبنان، إلّا أنها لا تساهم سوى بـ59% من مجمل الإنتاج الزراعي، ولا تتخطّى قيمتها ربع قيمة مجمل المحاصيل المُنتجة. وأكثر من ذلك، تغطّي 5 محاصيل 57% من مجمل هذه المساحة وتساهم بـ37% من مجمل الإنتاج الزراعي، فيما يستحوذ محصول واحد على ربع المساحة الزراعية المُستخدمة ويساهم بـ0.8% فقط من مجمل الإنتاج الزراعي.
الزيتون
يستحوذ الزيتون على 24% من مجمل هذه المساحة على الرغم من مساهمته بـ4.7% من مجمل الإنتاج الزراعي و1.1% من قيمة هذا الإنتاج، ويعود ذلك إلى التشجيع الذي حظيت به هذه الزراعة سابقاً من إيطاليا بهدف إنتاج زيت الزيتون وشرائه. وعلى الرغم من تراجع الاهتمام الإيطالي بزيت الزيتون اللبناني، وبالتالي تراجع تنافسيته ونوعيّته نتيجة الاستغلال الجائر للأراضي واستعمال كمّيات كبيرة من الأسمدة والكيميائيات، إلّا أنه لا يزال يشكّل نحو 10% من مجمل قيمة الإنتاج الزراعي.القمح والشعير
يغطّي القمح والشعير نحو 19.5% من مجمل المساحة المُنتجة للمحاصيل، فيما ويساهمان بـ 3.5% من مجمل الإنتاج الزراعي و2.5% من قيمته. علماً بأن أكثر من ثلثي كمّية هذه المحاصيل لا تدخل في صناعة الخبز بل تستعمل لإنتاج المواد العلفية، وبعض المنتجات المُستهلكة الأخرى مثل السميد والبرغل. وتنتشر هذه الزراعة في لبنان على الرغم من إنتاجيتها المتدنّية كونها مدعومة من مكتب الحبوب والشمندر السكّري الذي يعمل تحت وصاية وزارة الاقتصاد، ويشتري القمح بأسعار مدعومة من المزارعين.البطاطا
تستحوذ البطاطا على 8.5% من مجمل الأراضي الزراعية (45% من المساحات المزروعة بالخضار)، وتساهم بنحو 19.5% من مجمل الإنتاج الزراعي (%41 من مجمل إنتاج الخضار). تعدٌّ البطاطا من أكثف المزروعات إنتاجاً في لبنان، أمّا قيمتها المتدنية فتعود إلى ارتفاع قيمة بذورها بما يفوق قدرة المزارع العادي على زراعتها فضلاً عن رسملتها المتنامية والمتصلة بتصنيع رقائق البطاطا التي تنتشر معاملها في البقاع.التفّاح
يغطّي التفّاح 5.6% من المساحات المزروعة، ويساهم بنحو 8.4% من مجمل الإنتاج الزراعي. تراجعت قيمة التفّاح في السنوات الأخيرة كنتيجة لتراجع تنافسيته. ففي سنوات ما قبل الحرب، كان التفّاح يعدُّ علامة فارقة للزراعة اللبنانية، وخصوصاً في الخليج العربي وأوروبا، إلّا أن بروز أنواع أخرى من التفّاح المُنتَج في دول شمال أفريقيا وزيادة استعمالات الأسمدة في لبنان، أدّى إلى ارتفاع كلفة إنتاجه وتراجع تنافسيته وفقدان بعضٍ من أسواقه.
Related Stories
8 فبراير، 2023
18 فبراير، 2022