العنب والكرز والبرتقال
يغطّي عنب المائدة نحو 2.8% من مجمل المساحات المزروعة، ويليه الكرز بنسبة 2.3%، ومن ثمّ البرتقال بنسبة 2.2% وتساهم هذه المحاصيل مجتمعة بنحو 10% من مجمل الإنتاج الزراعي. علماً أن العنب يدخل في صناعة النبيذ، فيما الكرز والبرتقال يعدّان من أبرز المنتجات الزراعية المصدّرة إلى الخارج.
بزر وكاجو أكثر من الطحين والأرز!
بلغت قيمة البزر المستورد عام 2018، أكثر مرّتين ونصف المرّة من قيمة الطحين المستورد وتجاوزت بقليل قيمة الأرز المستورد. وقاربت قيمة الصلصات كالكاتشاب ومرق الحساء والمربّى والبوظة والعلك قيمة المحضّرات الغذائية للأطفال الرضع.
لا تشكّل هذه الأمثلة استثناءً لما نستورده سنوياً من مواد غذائية. ففي الواقع، تُبيّن الإحصاءات الصادرة عن الجمارك اللبنانية أن قيمة المنتجات الغذائية التي لا يمكن للبنان إنتاجها لا تتجاوز 18% من مجمل فاتورة الاستيراد، في حين أن أكثر من 82% من قيمة المواد الغذائية المستوردة تُدفع ثمناً لمنتجات لا تدخل في السلّة الغذائية الأساسية، أو لاستيراد منتجات يوجد بدائل محلّية لها أو إمكانات لزراعتها وتصنيعها وتطويرها، إلّا أن ارتفاع كلفة الإنتاج المحلّي وتراجع نوعيّته تحول دون ذلك.
82%من قيمة المواد الغذائية المستوردة تُدفع ثمناً لمنتجات لا تدخل في السلّة الغذائية الأساسية أو لاستيراد منتجات يوجد بدائل محلّية لها أو إمكانات لزراعتها وتصنيعها
يعيد المدير السابق لمركز الاستشعار عن بعد في المركز الوطني للبحوث العلمية الدكتور طلال درويش الأمر إلى أسباب عدّة، منها ما يرتبط بطبيعة لبنان وتربته وما يمتلكه من ثروات طبيعية، وهو ما ينطبق على «الثروة السمكية والأنواع المتوافرة في بحرنا، والتي لا تكفي لسدّ الحاجات الاستهلاكية المحلّية فيعوّض عنها بالاستيراد»، وإلى سياسات ومصالح ترسّخت على مدار سنوات، أدّت إلى فقدان القطاع الزراعي والصناعات المرتبطة به للتنافسية نتيجة ارتفاع كلفة الإنتاج المحلّي وتراجع نوعيته، وهجرة العمل في الزراعة وتربية المواشي، وهو ما «انعكس على تربية المواشي التي لا تسدّ الحاجة المحلّية من اللحوم، وعلى بعض الزراعات مثل الحبوب التي تتطلّب عملاً شاقّاً فيما ربحيتها منخفضة».
استورد لبنان عام 2018 مواد ومنتجات غذائية بقيمة 3.5 مليار دولار، وهي تشكّل 17.2% من مجمل فاتورة الاستيراد التي بلغت خلال الفترة نفسها نحو 20.4 مليار دولار.
تعدُّ البروتينات الحيوانية والنباتية جزءاً أساسياً من السلّة الغذائية الأساسية، لكنّ اللافت أن لبنان يستورد سكاكر وشوكولا ومياهاً غازية وبُنّاً وتبغاً ومكسّرات وكحولاً، وهي منتجات كمالية، بقيمة متقاربة (715 مليون دولار) مع قيمة واردات اللحوم والأسماك ومحضّراتها الغذائية. وينفق أكثر من نصف هذه القيمة (482 مليون دولار) لاستيراد أجبان وألبان ومشتقاتها كالزبدة والقشدة ومنتجات الأفران كالخبر المحمّص (توست) والكعك، وهي منتجات تُصنّع محلّياً وتعدّ من المنتجات الأساسية في السلّة الغذائية اليومية.
تبيّن إحصاءات المواد العذائية المستوردة الكثير من المفارقات. على سبيل المثال، بدلاً من حماية الإنتاج المحلّي ووضع سياسات لتحفيزه وتحسينه ورفع تنافسيته، نرى أن لبنان يستورد 30 ألف طن من القشدة بقيمة 104 ملايين دولار، وهي سلعة منتجة محلّياً في المخابز والأفران ومحال الحلويات، ويمكن تطويرها وتحسين نوعيتها. والأمر نفسه ينطبق على 7 آلاف طن من الزبدة تستورد بقيمة 48 مليون دولار، و24 ألف طن من الخبز المحمّص والكعك والكورن فلاكس بقيمة 58 مليون دولار. وفيما يستورد كاتشاب بنحو 5 ملايين دولار، تتكرّر سنوياً على الشاشات مشاهد رمي المزارعين للبندورة احتجاجاً على عدم إمكان تصريفها. ومن الأمثلة الأكثر تعبيراً عن تأثير السياسات الاقتصادية المعادية للإنتاج المحلّي، نذكر استيراد نحو ألفي طن من العلكة بقيمة 11 مليون دولار، علماً بأنها سلعة كانت تنتج محلّياً قبل إقفال آخر معاملها قبل سنوات (كادبوري أدامس – تشكلتس) وانتقاله إلى مصر بسبب كلفة الإنتاج المرتفعة في لبنان.
لا تتوقّف الأمثلة الصادمة عند هذا الحدّ، بل تنسحب على جملة من المواد الغذائية الكمالية التي تستحوذ على نسبة عالية من فاتورة الاستيراد، وتتجاوز أضعاف قيمة المواد الأساسية أو التي لا يملك لبنان بدائل لها، بحيث تشكّل عاملاً إضافياً في زيادة العجز المُزمن في الميزان التجاري، والذي بلغت قيمته التراكمية بين عامي 1992 و2017 نحو 261 مليار دولار، وفقاً للبنك الدولي، وذلك من دون اتّخاذ أي إجراء للحدّ من استهلاكها كفرض رسوم جمركية على استيرادها.
في الواقع، يستورد لبنان 48 ألف طن من البزر بقيمة 66 مليون دولار، وهو ما يتخطّى قيمة 72 ألف طن من الأرز يستوردها لبنان بقيمة 55 مليون دولار وتدخل ضمن سلّته الغذائية الأساسية ولا يمكن زراعته محلّياً. وأكثر من ذلك، ينفق نحو 124 مليون دولار لشراء أكثر من 19 ألف طن من الكاجو والفستق الحلبي واللوز والجوز والبندق، وهو ما يوازي تقريباً 5 أضعاف ما ينفقه لشراء 55 ألف طن من الطحين والسميد (26 مليون دولار). كما ينفق نحو 49 مليون دولار لشراء الفاكهة الاستوائية والمجفّفة والمربّى أي ما يوازي ضعفي قيمة ما ينفقه لشراء الطحين.
نتاجر بما لا نزرع
تستحوذ الصناعات الغذائية على 77% من مجمل الصادرات الغذائية اللبنانية، في مقابل 23% للسلع الزراعية وتحديداً الفواكه والخضار والحبوب والتبغ. ووفقاً للجمارك اللبنانية بلغت قيمة هذه الصادرات نحو 667 مليون دولار عام 2018.
تُظهر هذه البيانات نفسها أن 11 فئة من المنتجات الغذائية تستحوذ على نحو 84.1% من مجمل قيمة الصادرات الغذائية. تتصدّرها الخضار والفواكه المحفوظة ومحضراتها (19%)، تليها الفواكه (11.5%)، ومن ثمّ ألواح الشوكولا والبسكويت والسكاكر (10%)، الزيوت (وغالبيتها زيت زيتون) بنسبة 8.2%، ومنتجات المخابز كالخبز المحمّص والكورن فلاكس والعجائن الغذائية (6.1%)، الكحول بنسبة 5.4% (علماً أن النبيذ وحده يستحوذ على 3.2% من مجمل قيمة الصادرات)، والثمار القشرية أو المكسّرات (5.2%)، الحيوانات الحيّة ولحومها ومحضراتها (5.1%)، الخضار (4.9%)، التبغ (4.9%) والبن (3.7%).
تبيّن نوعية هذه الصادرات ضعف الإنتاج الزراعي، وهو أمر لا يحتاج إلى إحصاءات إضافية لإثباته. لكن الأهمّ من ذلك، إبراز عمليات التحوّل الرأسمالي التي طاولت القطاع الزراعي والصناعات المرتبطة به، وهي بجزء منها صناعات متدنية القيمة المضافة، أي إنها لا تسهم بتشغيل عدد مهمّ من العمّال في عملية التصنيع مثل البن الذي يُستورد من الخارج محمّصاً وغير محمّص، وتقوم شركات تصنيع البن المحلّية بتحميصه وتعليبه ومن ثمّ بيعه في الأسواق المحلّية والخارجية، والأمر نفسه ينطبق على الثمار القشرية مثل الكاجو والفستق الحلبي والبندق والبزور على أنواعها، التي تحمّص وتعلّب محلّياً تمهيداً لبيعها في الأسواق.
وهناك صناعات غذائية شهدت تحوّلاً نحو رسملة الزراعة، وأهمّها النبيذ الذي بلغت قيمة صادراته العام الماضي أكثر من 21 مليون دولار، وهو منتج تسيطر على عملية تصنيعه ما لا يقل عن خمس شركات لبنانية تمتلك مساحات شاسعة في سهل البقاع، وتعتمد على اليد العاملة المتدنية الكلفة في عملية زراعة الكروم وقطافها وتصنيع النبيذ قبل طرحه في الأسواق. والأمر نفسه ينطبق على مزارع الحيوانات، فوفقاً لوزارة الزراعة، يشكّل حائزو الأبقار على سبيل المثال، ثلثي مربّي الحيوانات، و1% منهم ويبلغ عددهم نحو 104 حائزين يمتلكون 22% من مجمل الأبقار الموجودة ويحوز كلّ منهم على أكثر من 50 رأس بقر بما يسمح بإنتاج كمّيات مهمّة قابلة للتصنيع والتصدير. أمّا الطيور فتتوزّع الدواجن البياضة بنسبة 43% على المزارع التي تمتلك أكثر من 25 ألف طير، والدواجن اللحم تتوزّع بنسبة 47% على المزارع التي تمتلك أكثر من 30 ألف طير.